بقرار من الإدارة المدنية السابقة في العراق رأى العراقيون عملتهم الرابعة عشر منذ ظهور النقود في العراق.
العملة التي يتم تداولها الآن في العراق ، طبعت في لندن. ويطرح " دينار بريمر " أو " دينار لندن " كما يسميه الناس والمحللين على السواء ، الكثير من الأسئلة التي شغلت بال المصرفيين والسياسيين والعامة على السواء ومنها : هل يحق لسلطة الائتلاف إصدار عملة وطنية؟ لماذا تم طبع عملة جديدة لكي تعادل العملة القديمة من حيث القيمة ؟ وإذا جاز معادلة العملة الجديدة بالقديمة ، فهل ستطبع الكمية نفسها التي لا يعلم أحد الكمية القديمة التي كان حسين كامل يطبع ما يشاء منها ومن ثم ورثها عنه قصي صدام وانتشرت المطابع التي تزورها في كل أنحاء العراق وفي الأقاليم المجاورة ؟! لماذا زادت الطبعة الجديدة على " الفئات المنبوذة " والمقصود بها فئة الـ 10 آلاف لتطبع 25 ألف وفي الوقت نفسه طبعت فئة الـ 50 دينار ولا يوجد ما يمكن أن تقتنيه في هذه الفئة حتى استكان الشاي فسعره 100 دينار ؟ لماذا قدروا قيمة الدينار السويسري المعمول به في كردستان بنحو 150 دينار جديدا ، ألا يلحق هذا الأمر بعض الإجحاف بمن يمتلك الدينار العراقي المطبوع في باقي البلاد؟ ما الفائدة من إصدار عملة جديدة للاقتصاد العراقي تحمل نفس الأجواء المالية والاقتصادية والنفسية وبالكميات والقيمة نفسها ؟ يفهم البعض أن تطعيم الاقتصاد العراقي بعملة جديدة من حيث الشكل والرداءة نفسها وهي امتداد للعملة التي كان يسير فيها صدام اقتصاده الضعيف ! هل خصص للعملة العراقية الجديدة سلة من العملات بمبالغ معلنة ومبينة في البنك المركزي العراقي لكي يكون الإصدار ذا قيمة معلومة ومؤثرة ؟ هل تملك العملة الجديدة غطاء في مجموعة العملات الأجنبية والذهب ؟ هل توازن العملة الجديدة كل النواحي السياسية والاقتصادية والمالية والقانونية ؟ ألا يؤدي معادلتها مع العملة الصدامية إبقاء العبء على المواطن والاقتصاد وفتح باب الهلع في سوق الأوراق المالية مفتوحا كما كان الوضع في العهد السابق وامتداد للطبع الفاشل للنظام المقبور ؟ هل ستؤدي العملة الجديدة وتداولها الى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمستوردة منها بشكل خاص ؟
أسئلة المصرفيين
شبه إجماع من قبل أصحاب مكاتب الصيرفة الذين التقينا معهم في بغداد وبعض المحافظات العراقية بأن العملة الجديدة سترفع أسعار المواد الغذائية والزراعية وسيقابل ذلك ارتفاع أسعار صرف الدولار وأكد معظمهم بأن المسألة لا تفرق لديهم بقدر تعلق الأمر بسوق التصريف ، والحسنة الوحيدة التي سجلتها لقاءاتنا قد تنحصر في تحجيم ظاهرة تزييف العملة.
يقول صاحب محل صرافة بأن العملة الجديدة ستساهم في رفع أسعار كل المنتجات الغذائية المحلية والمستوردة وأجور النقل وستنخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار.
ويقترح التوقف عن طبع الفئات الكبيرة مثل فئة 10 آلاف دينار وأبدى استغرابه من طبع فئة 25 ألف دينار التي يعتبر أنها ستزيد من حدة التضخم ، وحسب قوله ، أن مشكلة الـ 10 آلاف لم يستطع أحد حلها حتى الآن.
ومصرفي آخر أعاد التوقعات أعلاه ، مشددا على ضرورة عدم المساس بأسس الكتلة النقدية العراقية وطبع الفئات الكبيرة التي تؤدي الى تضخم أكبر وفقدانها لقيمتها الرسمية. وأضاف بأن السوق العراقية تعاني سابقا وحاليا من خلل في تركيبة السوق المالية وعدم الخضوع للنظريات العلمية التي تحكم العرض والطلب ، وهذا السبب في اعتقاده ، الذي يؤدي دوما الى ارتفاع الأسعار والتضخم بعد طرح أي عملة جديدة. واقترح عدم طبعة فئة تزيد عن 250 دينارا في الوقت الراهن للحيلولة دون زيادة حدة التضخم النقدي.
وأكد مصرفي ثالث بأن من الضروري أن يقوم البنك المركزي العراقي بشراء العملة العراقية بالدولار الأمريكي ، كمحاولة للجم التضخم ، والاعتماد على المتخصصين بالشؤون المالية والاقتصادية لمعالجة الأزمة المنتظرة والتي ستحملها معها العملة الجديدة.
أسئلة المواطنين
يأمل المتخرج من كلية الإدارة والاقتصاد منذ أعوام وعاطل عن العمل حاليا ، في أن يكون للعملة الجديدة قبول كبير من المواطنين ، فنوعيتها جيدة وأفضل من القديمة التي تتمزق وتستهلك بسرعة والأهم أنها لا تحمل صورة صدام. وحملها صور من تاريخ العراق سيشعر المواطن باحترام لها وارتياح أكثر بكثير من السابق.
ويخشى زميله أن يكون الفضل الوحيد للعملة الجديدة أنها بلا صدام وجميلة فقط ، فالأهم حسب قوله ، ما سيكون سعرها بالقياس مع الدولار وألا تؤدي الى زيادة في الأسعار.
مواطن آخر اشترك في الحديث معلنا عن ثورته كون العملة لم تصدر من حكومة وطنية عراقية ولكونها " رمز للوطن " وستذكره في كل لحظة بـ " المحتلين ".
مشترك آخر قال أن الدولار سيستمر في الصعود مقابل الدينار ، نظرا للطلب الكبير عليه من قبل المؤسسات والناس ، خاصة وأن لديهم فرصة مفتوحة لاستيراد ما يشاءون من سيارات وسلع من الخارج.
وتوقع مواطن أن يصل سعر صرف الدولار الواحد قياسا الى الدينار الجديد بنحو 750 وفي حالته الجيدة سيساوي 500 دينار ، في حالة دعمه من البنك المركزي العراقي وسلطات التحالف.
وربط آخر سعر صرف الدولار بالوضع الأمني ، معتبرا أن الاستقرار هو الأرضية الخصبة لأي استثمار وتجارة وانفتاح ، وهذه العوامل هي الكفيلة بإنعاش العملة المحلية.
فيما تطرق النقاش الى النفط وسلامة أنابيب النفط وازدياد معدل تسويق النفط واستغلال موارد العراق لخدمة الاقتصاد الوطني التي من شأنها تعزيز العملة المحلية.
وعدد أحدهم العوامل التي ستعيد الدينار العراقي الى وضعه ما قبل التسعينات بنشوء حكومة وطنية واستتباب الأمن واستغلال الخيرات بشكل أفضل وإطلاق التجارة الحرة والقضاء على البطالة ، مشددا على أن الفوضى الأمنية والتجارية وعدم استقرار السوق سيستمران في رفع قيمة الدولار.
وقال صاحب مكتبة في بغداد بأن العملة الجديدة لن ترفع من قيمة الدولار ما لم تقم سلطات التحالف والحكومة العراقية باعتماد خطة نقدية توازن فيها بين العرض و الطلب والرواتب ودخل الفرد. وأعرب عن تشاؤمه من تحقيق هكذا خطة في الوقت القريب ، معللا ذلك بانشغال قوات التحالف بمتاعبها الأمنية والعسكرية والذاتية وتراجع الموضوع الاقتصادي الى السلم الثاني أو الثالث من أولويات هذه السلطة التي لم تقم بخطوات جادة ، برأيه ، في المسائل المتعلقة بتثبيت الاقتصاد وحركة السوق.
وحمـّل البعض المضاربون في السوق المالية مسؤولية ما سيحصل للعملة الجديدة من ارتباك وضعف وقالوا بأن هؤلاء لديهم خبرة كافية ويد طويلة في السوق تكفي للتأثير على العملة الجديدة بالشكل الذي سيتناسب مع مصالحهم أولا.
أسئلة الأساتذة
أستاذ جامعي يعزو تذبذب قيمة العملة العراقية للوضع السياسي المتذبذب أصلا ، فحسب تعبيره ، أن كل السلطات في العراق انتقالية ووقتية ، ولا تحظى بتأييد كامل لا في الداخل ولا في الخارج ، ووقتيتها تجعل كل خطواتها وقتية أيضا ، بما في ذلك العملة التي تطرحها.
وقال اقتصادي بأن عملية إصدار العملة لها تأثيراتها الأساسية في الاقتصاد الوطني ومن ضمنها تبعات ذلك على الديون والأثر السيكولوجي عند الدائن والمديون ، زائدا الأثر الكلي.
وشرح مميزات المرحلة الأولى من التداول بأنها ستحمل معها مشاكلها الطبيعية ، فأي تغيير في العملة ستتبعه اختناقات تحدث في مجالات التبادل والاستثمار وسحب العملات من البنوك وتأثيرات أخرى ستؤدي الى تضخم في الأسعار وزيادة في طلب العملات الأجنبية وقد تكون للمصارف مشاكلها الخاصة أيضا.
وعن سعر الصرف فاعتبره مرهون بالعمليات الإجرائية اللاحقة. وثمة قضية هي أن المواطنين وبعد تجاربهم المريرة مع العملات المحلية سيتوجهون لاقتناء الدولار واختزانه ، الأمر الذي سينعكس على سعر صرف الدولار ، فيما لو أجهزت عليه المشاريع الاستثمارية ، وعلى البنك المركزي دعم العملة الوطنية في عمليات السوق.
الخشن والناعم والمضروب
هذه مصطلحات تسمعها في أي سوق للتصريف ، من البنك المركزي العراقي حتى صاحب بسطة أوراق مالية.
فالطبعات تعددت في العراق ، فمرة يطبعون فئة الـ 250 دينارا بحجم كبير ، ويسمونها هنا " الخشن " ، وثمة أوراق من نفس الفئة ولكنها صغيرة ويطلقون عليها " الناعم ". أما " المضروب " فهو المزور والذي يعاني من بعض المشاكل في توزيع الألوان خلال طباعته.
وللخشن والناعم والمضروب سعره الخاص ، والأسعار نفسها تختلف عن سعر السوق العادية وثمة سعر يسمونه السعر الخاص المتداول بين أصحاب الأموال والأوراق المالية.
وثمة مصطلحات تستوقفك منها " سالم " .. وهذا " السالم " هو الدينار المزور بشكل جيد وسعر المليون دينار يعادل 850 ألف. أما " نصف سالم " أي المزور بشكل عادي فسعر المليون يصل الى 750 ألفا. والمائة دولار " المضروبة " سعرها 65 دولارا للتزوير الجيد و 50 دولارا للتزوير السيئ.
البرمجة
وهذا مصطلح آخر في سوق الأوراق المالية العراقية وهو المسؤول عن الإجابة على السؤال التالي : كيف يتم تداول العملات المحلية والأجنبية في السوق في حين أن كل التجار والمعنيين يعرفونها مزورة ؟
استخدام العملات المزورة يقتصر على عدد محدد جدا من تجار العراق ، الذين يقومون ويشرفون على عمليات " البرمجة " !!.
و " البرمجة " تعني خلط العملات المزورة مع السليمة وتصريفها سواء بالبيع المباشر في سوق العملة أم بالدخول في عمليات تجارية لغسل الأموال.
أفلام لا نهائية
المشكلة الأكبر في السوق المالية العراقية هي هذا التفنن البالغ الجودة بالتزوير ، فأفلام الدولار والدينار لديهم. وقضية " الأفلام الطباعية " لم تستطع السلطات المعنية في العراق القضاء عليها ولا يرجح أنها تستطيع في المستقبل ، لوجود شبكة مافيا مؤسسة بقوة. فالأفلام لم تسرق خلال عمليات السلب والنهب التي حدثت فحسب ، بل كانت جزء من مخطط اشترك فيه أعوان النظام السابق ودول الجوار ، وخاصة إيران وسوريا والأردن وإقليم كردستان العراق.
والمشكلة الأكبر كبرا ، هي أن لدى هؤلاء كل شيء لتزوير الدولار واليورو وعدد من العملات الأخرى. هذه الظاهرة هي التي خفضت قيمة صرف الدينار العراقي أمام الدولار ، بالرغم من الكمية الهائلة من الدولارات التي ضخت الى السوق العراقية عن طريق الرواتب التي يتقاضاها الموظفون والعاملون في الدولة ، ناهيك عن التحويلات الخارجية وما يصرفه عشرات الآلاف من العائدين الى الوطن وجنود التحالف في السوق المحلية. وكان يفترض أن يزيد سعر الدينار قياسا للدولار المتوفر بكثرة ، لكن الذي حصل أن الدولار المزور دخل الى السوق فأخلّ بالتوازن.
أسرار أخرى
عندما عرض علينا تاجر مليون دينار من فئة 250 قال أنها "مضروبة " واشتراها بقيمة 850 ألف ، قال أن لا أحد في العالم يثبت أنها مزورة ، وبعث أحد صبيانه لكي يودعها في البنك أمامنا ليثبت بأنها ستمشي عليهم هناك.
تحقق ذلك بالفعل وأودع هذا المبلغ المزور في البنك ، ولكن السؤال الذي لابد منه هو كيف حصل كل ذلك أمامنا وبهذه الثقة ؟
يسرد التاجر جزء من أسرار اللعبة : أحد أساسيات السوق ، أن أي مشروع من هذا القبيل يحتاج في البداية الى تقديم تضحيات قبل الربح والخسارة. ولأن العملة الجديدة ستظهر هذه الأيام فأن الكثير من أبواب الربح ستغلق بوجه تجار العملة ، فلابد من ضرب القطع الكبيرة وترويج الإشاعات كما حصل لفئة 10 آلاف والتضحية بملايين من العملات السليمة والتعامل معها كمزورة. فإذا تمت هذه الخطوة بسلام ، يمكن عندئذ حفظ قيمتها وشراء الملايين منها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية خلال أسابيع تمهيدا لاستبدالها بالعملة الجديدة ، وبالتوازي ندعم العملة المشوهة من الـ 10 آلاف التي سبق وأن قمنا بتجميعها بأسعار متدنية ، ليكون ربحها مضاعفا.
ألعاب العملة
وعن طريقة اللعب مع العملة الجديدة في السوق قال محنك من سوق الأوراق المالية العراقية : سيبدأ التجار منذ اليوم الأول باستبدال العملة القديمة وبيع الجديدة بأسعار متفاوتة ، لا سيما وأن لديهم وسائلهم في إبدال العملة ، قبل المواطن وأسرع منه. فالمواطن يفضل الذهاب الى السوق عن تمسكه بطابور طويل في البنك.
وحول إمكانية تزوير العملة الجديدة قال مهندس كان يعمل في المطابع الرسمية للعملة بأن العملية لن تكون سهلة لأصحاب الطابعات الليزرية وحتى لأصحاب المطابع التجارية ، لأنها ستحتاج الى برامج وأحبار وورق العملة الذي اختلف عن السابقة الذي كان متاحا . وأكد بأنه في السابق كانت هناك حرب عملة بين المخابرات العراقية والإيرانية ، حيث كان العراق يطبع العملة الإيرانية المزورة ويضخها في السوق الإيرانية وكان الإيرانيون يردون بالمثل ، وكان هدف هذه الحرب خلخلة اقتصاد البلد المقابل وبث الفوضى في السوق.
ونتيجة لهذه الحرب ، ظهر خبراء التزوير في العراق والدول المجاورة ، وظهرت معهم الأساليب والمكائن والمعدات والأوراق ، وأهم شيء الخبرة.
ولعل هؤلاء ، يحتاجون الى الكثير من الإمكانات والوقت للتطاول على العملة الجديدة ، التي تتميز بصعوبة التدرجات اللونية وكذلك تعقيد مشتقات الألوان والرسوم والخطوط ، وتحتوي على خط سري ، هو جزء من نسيجها الورقي وليس خطا مضافا طباعيا ، لذلك يمكن تلمس نتوء الخط السري الذي يختلف عن الخط المطبوع ، وكذلك الحال بالنسبة للشعار والرسم السري في العملة ، ناهيك عن عوامل أخرى كالحجم والسمك ونوع الكتابة وحجم الأرقام التي ستكون محفورة وغير مطبوعة.
العملة التي يتم تداولها الآن في العراق ، طبعت في لندن. ويطرح " دينار بريمر " أو " دينار لندن " كما يسميه الناس والمحللين على السواء ، الكثير من الأسئلة التي شغلت بال المصرفيين والسياسيين والعامة على السواء ومنها : هل يحق لسلطة الائتلاف إصدار عملة وطنية؟ لماذا تم طبع عملة جديدة لكي تعادل العملة القديمة من حيث القيمة ؟ وإذا جاز معادلة العملة الجديدة بالقديمة ، فهل ستطبع الكمية نفسها التي لا يعلم أحد الكمية القديمة التي كان حسين كامل يطبع ما يشاء منها ومن ثم ورثها عنه قصي صدام وانتشرت المطابع التي تزورها في كل أنحاء العراق وفي الأقاليم المجاورة ؟! لماذا زادت الطبعة الجديدة على " الفئات المنبوذة " والمقصود بها فئة الـ 10 آلاف لتطبع 25 ألف وفي الوقت نفسه طبعت فئة الـ 50 دينار ولا يوجد ما يمكن أن تقتنيه في هذه الفئة حتى استكان الشاي فسعره 100 دينار ؟ لماذا قدروا قيمة الدينار السويسري المعمول به في كردستان بنحو 150 دينار جديدا ، ألا يلحق هذا الأمر بعض الإجحاف بمن يمتلك الدينار العراقي المطبوع في باقي البلاد؟ ما الفائدة من إصدار عملة جديدة للاقتصاد العراقي تحمل نفس الأجواء المالية والاقتصادية والنفسية وبالكميات والقيمة نفسها ؟ يفهم البعض أن تطعيم الاقتصاد العراقي بعملة جديدة من حيث الشكل والرداءة نفسها وهي امتداد للعملة التي كان يسير فيها صدام اقتصاده الضعيف ! هل خصص للعملة العراقية الجديدة سلة من العملات بمبالغ معلنة ومبينة في البنك المركزي العراقي لكي يكون الإصدار ذا قيمة معلومة ومؤثرة ؟ هل تملك العملة الجديدة غطاء في مجموعة العملات الأجنبية والذهب ؟ هل توازن العملة الجديدة كل النواحي السياسية والاقتصادية والمالية والقانونية ؟ ألا يؤدي معادلتها مع العملة الصدامية إبقاء العبء على المواطن والاقتصاد وفتح باب الهلع في سوق الأوراق المالية مفتوحا كما كان الوضع في العهد السابق وامتداد للطبع الفاشل للنظام المقبور ؟ هل ستؤدي العملة الجديدة وتداولها الى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمستوردة منها بشكل خاص ؟
أسئلة المصرفيين
شبه إجماع من قبل أصحاب مكاتب الصيرفة الذين التقينا معهم في بغداد وبعض المحافظات العراقية بأن العملة الجديدة سترفع أسعار المواد الغذائية والزراعية وسيقابل ذلك ارتفاع أسعار صرف الدولار وأكد معظمهم بأن المسألة لا تفرق لديهم بقدر تعلق الأمر بسوق التصريف ، والحسنة الوحيدة التي سجلتها لقاءاتنا قد تنحصر في تحجيم ظاهرة تزييف العملة.
يقول صاحب محل صرافة بأن العملة الجديدة ستساهم في رفع أسعار كل المنتجات الغذائية المحلية والمستوردة وأجور النقل وستنخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار.
ويقترح التوقف عن طبع الفئات الكبيرة مثل فئة 10 آلاف دينار وأبدى استغرابه من طبع فئة 25 ألف دينار التي يعتبر أنها ستزيد من حدة التضخم ، وحسب قوله ، أن مشكلة الـ 10 آلاف لم يستطع أحد حلها حتى الآن.
ومصرفي آخر أعاد التوقعات أعلاه ، مشددا على ضرورة عدم المساس بأسس الكتلة النقدية العراقية وطبع الفئات الكبيرة التي تؤدي الى تضخم أكبر وفقدانها لقيمتها الرسمية. وأضاف بأن السوق العراقية تعاني سابقا وحاليا من خلل في تركيبة السوق المالية وعدم الخضوع للنظريات العلمية التي تحكم العرض والطلب ، وهذا السبب في اعتقاده ، الذي يؤدي دوما الى ارتفاع الأسعار والتضخم بعد طرح أي عملة جديدة. واقترح عدم طبعة فئة تزيد عن 250 دينارا في الوقت الراهن للحيلولة دون زيادة حدة التضخم النقدي.
وأكد مصرفي ثالث بأن من الضروري أن يقوم البنك المركزي العراقي بشراء العملة العراقية بالدولار الأمريكي ، كمحاولة للجم التضخم ، والاعتماد على المتخصصين بالشؤون المالية والاقتصادية لمعالجة الأزمة المنتظرة والتي ستحملها معها العملة الجديدة.
أسئلة المواطنين
يأمل المتخرج من كلية الإدارة والاقتصاد منذ أعوام وعاطل عن العمل حاليا ، في أن يكون للعملة الجديدة قبول كبير من المواطنين ، فنوعيتها جيدة وأفضل من القديمة التي تتمزق وتستهلك بسرعة والأهم أنها لا تحمل صورة صدام. وحملها صور من تاريخ العراق سيشعر المواطن باحترام لها وارتياح أكثر بكثير من السابق.
ويخشى زميله أن يكون الفضل الوحيد للعملة الجديدة أنها بلا صدام وجميلة فقط ، فالأهم حسب قوله ، ما سيكون سعرها بالقياس مع الدولار وألا تؤدي الى زيادة في الأسعار.
مواطن آخر اشترك في الحديث معلنا عن ثورته كون العملة لم تصدر من حكومة وطنية عراقية ولكونها " رمز للوطن " وستذكره في كل لحظة بـ " المحتلين ".
مشترك آخر قال أن الدولار سيستمر في الصعود مقابل الدينار ، نظرا للطلب الكبير عليه من قبل المؤسسات والناس ، خاصة وأن لديهم فرصة مفتوحة لاستيراد ما يشاءون من سيارات وسلع من الخارج.
وتوقع مواطن أن يصل سعر صرف الدولار الواحد قياسا الى الدينار الجديد بنحو 750 وفي حالته الجيدة سيساوي 500 دينار ، في حالة دعمه من البنك المركزي العراقي وسلطات التحالف.
وربط آخر سعر صرف الدولار بالوضع الأمني ، معتبرا أن الاستقرار هو الأرضية الخصبة لأي استثمار وتجارة وانفتاح ، وهذه العوامل هي الكفيلة بإنعاش العملة المحلية.
فيما تطرق النقاش الى النفط وسلامة أنابيب النفط وازدياد معدل تسويق النفط واستغلال موارد العراق لخدمة الاقتصاد الوطني التي من شأنها تعزيز العملة المحلية.
وعدد أحدهم العوامل التي ستعيد الدينار العراقي الى وضعه ما قبل التسعينات بنشوء حكومة وطنية واستتباب الأمن واستغلال الخيرات بشكل أفضل وإطلاق التجارة الحرة والقضاء على البطالة ، مشددا على أن الفوضى الأمنية والتجارية وعدم استقرار السوق سيستمران في رفع قيمة الدولار.
وقال صاحب مكتبة في بغداد بأن العملة الجديدة لن ترفع من قيمة الدولار ما لم تقم سلطات التحالف والحكومة العراقية باعتماد خطة نقدية توازن فيها بين العرض و الطلب والرواتب ودخل الفرد. وأعرب عن تشاؤمه من تحقيق هكذا خطة في الوقت القريب ، معللا ذلك بانشغال قوات التحالف بمتاعبها الأمنية والعسكرية والذاتية وتراجع الموضوع الاقتصادي الى السلم الثاني أو الثالث من أولويات هذه السلطة التي لم تقم بخطوات جادة ، برأيه ، في المسائل المتعلقة بتثبيت الاقتصاد وحركة السوق.
وحمـّل البعض المضاربون في السوق المالية مسؤولية ما سيحصل للعملة الجديدة من ارتباك وضعف وقالوا بأن هؤلاء لديهم خبرة كافية ويد طويلة في السوق تكفي للتأثير على العملة الجديدة بالشكل الذي سيتناسب مع مصالحهم أولا.
أسئلة الأساتذة
أستاذ جامعي يعزو تذبذب قيمة العملة العراقية للوضع السياسي المتذبذب أصلا ، فحسب تعبيره ، أن كل السلطات في العراق انتقالية ووقتية ، ولا تحظى بتأييد كامل لا في الداخل ولا في الخارج ، ووقتيتها تجعل كل خطواتها وقتية أيضا ، بما في ذلك العملة التي تطرحها.
وقال اقتصادي بأن عملية إصدار العملة لها تأثيراتها الأساسية في الاقتصاد الوطني ومن ضمنها تبعات ذلك على الديون والأثر السيكولوجي عند الدائن والمديون ، زائدا الأثر الكلي.
وشرح مميزات المرحلة الأولى من التداول بأنها ستحمل معها مشاكلها الطبيعية ، فأي تغيير في العملة ستتبعه اختناقات تحدث في مجالات التبادل والاستثمار وسحب العملات من البنوك وتأثيرات أخرى ستؤدي الى تضخم في الأسعار وزيادة في طلب العملات الأجنبية وقد تكون للمصارف مشاكلها الخاصة أيضا.
وعن سعر الصرف فاعتبره مرهون بالعمليات الإجرائية اللاحقة. وثمة قضية هي أن المواطنين وبعد تجاربهم المريرة مع العملات المحلية سيتوجهون لاقتناء الدولار واختزانه ، الأمر الذي سينعكس على سعر صرف الدولار ، فيما لو أجهزت عليه المشاريع الاستثمارية ، وعلى البنك المركزي دعم العملة الوطنية في عمليات السوق.
الخشن والناعم والمضروب
هذه مصطلحات تسمعها في أي سوق للتصريف ، من البنك المركزي العراقي حتى صاحب بسطة أوراق مالية.
فالطبعات تعددت في العراق ، فمرة يطبعون فئة الـ 250 دينارا بحجم كبير ، ويسمونها هنا " الخشن " ، وثمة أوراق من نفس الفئة ولكنها صغيرة ويطلقون عليها " الناعم ". أما " المضروب " فهو المزور والذي يعاني من بعض المشاكل في توزيع الألوان خلال طباعته.
وللخشن والناعم والمضروب سعره الخاص ، والأسعار نفسها تختلف عن سعر السوق العادية وثمة سعر يسمونه السعر الخاص المتداول بين أصحاب الأموال والأوراق المالية.
وثمة مصطلحات تستوقفك منها " سالم " .. وهذا " السالم " هو الدينار المزور بشكل جيد وسعر المليون دينار يعادل 850 ألف. أما " نصف سالم " أي المزور بشكل عادي فسعر المليون يصل الى 750 ألفا. والمائة دولار " المضروبة " سعرها 65 دولارا للتزوير الجيد و 50 دولارا للتزوير السيئ.
البرمجة
وهذا مصطلح آخر في سوق الأوراق المالية العراقية وهو المسؤول عن الإجابة على السؤال التالي : كيف يتم تداول العملات المحلية والأجنبية في السوق في حين أن كل التجار والمعنيين يعرفونها مزورة ؟
استخدام العملات المزورة يقتصر على عدد محدد جدا من تجار العراق ، الذين يقومون ويشرفون على عمليات " البرمجة " !!.
و " البرمجة " تعني خلط العملات المزورة مع السليمة وتصريفها سواء بالبيع المباشر في سوق العملة أم بالدخول في عمليات تجارية لغسل الأموال.
أفلام لا نهائية
المشكلة الأكبر في السوق المالية العراقية هي هذا التفنن البالغ الجودة بالتزوير ، فأفلام الدولار والدينار لديهم. وقضية " الأفلام الطباعية " لم تستطع السلطات المعنية في العراق القضاء عليها ولا يرجح أنها تستطيع في المستقبل ، لوجود شبكة مافيا مؤسسة بقوة. فالأفلام لم تسرق خلال عمليات السلب والنهب التي حدثت فحسب ، بل كانت جزء من مخطط اشترك فيه أعوان النظام السابق ودول الجوار ، وخاصة إيران وسوريا والأردن وإقليم كردستان العراق.
والمشكلة الأكبر كبرا ، هي أن لدى هؤلاء كل شيء لتزوير الدولار واليورو وعدد من العملات الأخرى. هذه الظاهرة هي التي خفضت قيمة صرف الدينار العراقي أمام الدولار ، بالرغم من الكمية الهائلة من الدولارات التي ضخت الى السوق العراقية عن طريق الرواتب التي يتقاضاها الموظفون والعاملون في الدولة ، ناهيك عن التحويلات الخارجية وما يصرفه عشرات الآلاف من العائدين الى الوطن وجنود التحالف في السوق المحلية. وكان يفترض أن يزيد سعر الدينار قياسا للدولار المتوفر بكثرة ، لكن الذي حصل أن الدولار المزور دخل الى السوق فأخلّ بالتوازن.
أسرار أخرى
عندما عرض علينا تاجر مليون دينار من فئة 250 قال أنها "مضروبة " واشتراها بقيمة 850 ألف ، قال أن لا أحد في العالم يثبت أنها مزورة ، وبعث أحد صبيانه لكي يودعها في البنك أمامنا ليثبت بأنها ستمشي عليهم هناك.
تحقق ذلك بالفعل وأودع هذا المبلغ المزور في البنك ، ولكن السؤال الذي لابد منه هو كيف حصل كل ذلك أمامنا وبهذه الثقة ؟
يسرد التاجر جزء من أسرار اللعبة : أحد أساسيات السوق ، أن أي مشروع من هذا القبيل يحتاج في البداية الى تقديم تضحيات قبل الربح والخسارة. ولأن العملة الجديدة ستظهر هذه الأيام فأن الكثير من أبواب الربح ستغلق بوجه تجار العملة ، فلابد من ضرب القطع الكبيرة وترويج الإشاعات كما حصل لفئة 10 آلاف والتضحية بملايين من العملات السليمة والتعامل معها كمزورة. فإذا تمت هذه الخطوة بسلام ، يمكن عندئذ حفظ قيمتها وشراء الملايين منها بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية خلال أسابيع تمهيدا لاستبدالها بالعملة الجديدة ، وبالتوازي ندعم العملة المشوهة من الـ 10 آلاف التي سبق وأن قمنا بتجميعها بأسعار متدنية ، ليكون ربحها مضاعفا.
ألعاب العملة
وعن طريقة اللعب مع العملة الجديدة في السوق قال محنك من سوق الأوراق المالية العراقية : سيبدأ التجار منذ اليوم الأول باستبدال العملة القديمة وبيع الجديدة بأسعار متفاوتة ، لا سيما وأن لديهم وسائلهم في إبدال العملة ، قبل المواطن وأسرع منه. فالمواطن يفضل الذهاب الى السوق عن تمسكه بطابور طويل في البنك.
وحول إمكانية تزوير العملة الجديدة قال مهندس كان يعمل في المطابع الرسمية للعملة بأن العملية لن تكون سهلة لأصحاب الطابعات الليزرية وحتى لأصحاب المطابع التجارية ، لأنها ستحتاج الى برامج وأحبار وورق العملة الذي اختلف عن السابقة الذي كان متاحا . وأكد بأنه في السابق كانت هناك حرب عملة بين المخابرات العراقية والإيرانية ، حيث كان العراق يطبع العملة الإيرانية المزورة ويضخها في السوق الإيرانية وكان الإيرانيون يردون بالمثل ، وكان هدف هذه الحرب خلخلة اقتصاد البلد المقابل وبث الفوضى في السوق.
ونتيجة لهذه الحرب ، ظهر خبراء التزوير في العراق والدول المجاورة ، وظهرت معهم الأساليب والمكائن والمعدات والأوراق ، وأهم شيء الخبرة.
ولعل هؤلاء ، يحتاجون الى الكثير من الإمكانات والوقت للتطاول على العملة الجديدة ، التي تتميز بصعوبة التدرجات اللونية وكذلك تعقيد مشتقات الألوان والرسوم والخطوط ، وتحتوي على خط سري ، هو جزء من نسيجها الورقي وليس خطا مضافا طباعيا ، لذلك يمكن تلمس نتوء الخط السري الذي يختلف عن الخط المطبوع ، وكذلك الحال بالنسبة للشعار والرسم السري في العملة ، ناهيك عن عوامل أخرى كالحجم والسمك ونوع الكتابة وحجم الأرقام التي ستكون محفورة وغير مطبوعة.